ولد النبي صلى الله عليه وسلم ــ لثمان من ربيع الأول
، وقيل لاثنتي عشرة منه في قول المؤرخين وعاش أربعين
سنة، لم يوح إليه بشيء وكل ما يذكره قصاص المولد من أنه
ولد وهو ساجد أو أنه خرج معه نور صفته كذا وكذا، أو
أن آدم خلق من نور محمد، وأن جميع الوحوش البرية
والبحرية بشر بعضها بعضا بالحمل به وأن مريم حضرت مولده
، وأن الرسول يحضر حفلة المولد ويعرف الحاضرين به،
فكل هذه وما في معناها فإنها من الموضوعات التي لا صحة لها
،ولهذا قال في معرض الاحتجاج على قومه
: { فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }
(16سورة يونس).وهذا العمر هو أربعون سنة،وبعد
الأربعين فاجأه الحق ونزل عليه الوحي بغار حراء .
ولا شك أن مقام بعثته ونزول الوحي بنبوته أنه
أعلى وأجل وأعظم وأفضل من مقام ولادته، إذ أنه ولد كما
يولد سائر الناس وفضله الله بالبعثة والرسالة على سائر الناس،
والله سبحانه ــ إنما امتن على عباده المؤمنين بنبوته وبعثته
، لا بمجرد ولادته، فقال تعالى: { لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ
فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } (164 سورة آل عمران) .
قال قتادة : " كان العرب قبل الإسلام وقبل بعثة محمد صلى
الله عليه وسلم كانوا أذل الناس ذلا وأشقاهم عيشا
وأجوعهم بطونا وأعراهم ظهورا
وأبينهم ضلالا، يؤكلون
ولا يأكلون والله ما نعلم من
حاضر أهل الأرض شر منزلة منهم
حتى جاء الله بالإسلام، فمكن به في
البلاد ووسع به في الرزق وجعلهم به ملوكا على رقاب
الناس، فبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا الله نعمه،
فإن ربكم منعم يحب الشكر " .
ورسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ لم يشرع لأمته
تعظيم مولده بمثل هذا الاحتفال والتجمع فيه، ثم إلقاء
الخطب والأشعار فيه، بل ثبت عنه ما يدل على كراهيته لذلك
، ففي الصحيح أن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ قال
: ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم،
إنما أنا عبد، فقولوا : عبد الله ورسوله ) والإطراء
هو مجاوزة الحد في المدح، وكان يقول
: ( إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو ) .